"فورين أفيرز": حرب "إسرائيل" القادمة

بالحكم على الحروب الماضية بين "إسرائيل" ولبنان، من غير المرجح أن تنتهي الحرب المحتملة بين الطرفين إلى نهاية مرضية بالنسبة لـ "إسرائيل".

  • جندي إسرائيلي يتفقد الأضرار الناجمة عن هجوم صاروخي لحزب الله على كريات شمونة
    جندي إسرائيلي يتفقد الأضرار الناجمة عن هجوم صاروخي لحزب الله على "كريات شمونة"

مجلّة "فورين أفيرز" تنشر مقالاً للكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل، يتحدث فيه عن توقعاته للحرب المحتملة بين حزب الله و"إسرائيل"، وعن نتائجها المتوقعة في ظل قدرات حزب الله العسكرية المتطورة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على حربها مع حماس في قطاع غزة، تبدو "إسرائيل" الآن أقرب من أي وقت مضى إلى حرب ثانية أكبر مع حزب الله على حدودها الشمالية. وفي حزيران/يونيو، أعلن "الجيش" الإسرائيلي أنّه تمت الموافقة على خطط لشن هجوم واسع النطاق في جنوب لبنان. وفي منتصف تموز/يوليو، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إنّ الحزب مستعد لتوسيع هجماته الصاروخية لتشمل نطاقاً أوسع من المستوطنات الإسرائيلية.

إن حرباً واسعة النطاق بين "إسرائيل" وحزب الله من شأنها أن تخلّف عواقب كبيرة. ومن المرجح أن يؤدي أي هجوم إسرائيلي كبير ضد حزب الله، إلى حدوث اضطرابات في جميع أنحاء المنطقة، وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل خاص مع دخول الولايات المتحدة مرحلة حاسمة من موسم الانتخابات الرئاسية. ومن غير الواضح أيضاً ما إذا كانت  هذه الحرب يمكن أن تنتهي بسرعة، أو أن هناك طريقاً واضحاً لتحقيق نصر حاسم.

وقد تكون التداعيات بالنسبة إلى "إسرائيل" نفسها صارخة. فالحرب الشاملة مع حزب الله ستكون لعبة مختلفة تماماً. ووفقاً لتقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، فإنّ مخزون حزب الله من الأسلحة يزيد على سبعة أضعاف مخزون حماس، ويتضمن أسلحة أكثر فتكاً بكثير. وإلى جانب مئات الطائرات من دون طيار الهجومية، فإنها تشمل نحو 130 ألف إلى 150 ألف صاروخ وقذيفة، بما في ذلك مئات الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تصل إلى أهداف في "تل أبيب" وحتى إلى الجنوب، وفي الواقع، إلى كل نقطة في البلاد.

علاوة على ذلك، إنّ لبنان ساحة معركة غادرة. وكانت حرب "إسرائيل" الأخيرة مع حزب الله، في صيف عام 2006، غير حاسمة، وتركت القوة العسكرية للحزب سليمة إلى حد كبير. كما أنّ حزب الله أصبح أفضل تسليحاً بكثير مما كان عليه في ذلك الوقت. وتشير تقديرات قيادة الجبهة الداخلية في "إسرائيل" إلى أنّه إذا اندلع صراع واسع النطاق الآن، فإنّ حزب الله سوف يطلق نحو 3000 صاروخ وقذيفة كل يوم من أيام الحرب، ما يهدد بإرهاق الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية. وسيكون لزاماً على "إسرائيل" أن تركز على الدفاع عن البنية الأساسية الحيوية والقواعد العسكرية، وأن تطلب من الإسرائيليين البقاء في الملاجئ. وسيكون هذا تحدياً يتجاوز بكثير أي شيء واجهه القادة الإسرائيليون من قبل.

وفي الوقت الراهن، حتى لو تمكّنت إدارة بايدن من التوصل إلى اتفاق بين "إسرائيل" وحزب الله يتضمن انسحاب قوات حزب الله من المنطقة المحيطة بالحدود،  لا يزال قادة "إسرائيل" يجدون صعوبة في عدم الرد على الجمهور المحلي الذي يفضل شنّ حرب ضد حزب الله. وإذا استسلمت "إسرائيل" لهذا الإغراء من دون وضع نهاية واضحة المعالم أو استراتيجية للحد من الحرب، فإنّ النتائج قد تكون مدمّرة.

بالنسبة إلى العديد من المسؤولين الإسرائيليين، حزب الله، هو الأكثر تسليحاً وتدريباً بين أذرع إيران، ويشكل التهديد الأكبر، والقوات الإسرائيلية تدرك أنّ كل شيء يعتمد على نصر الله، الأمين العام لحزب الله.

في 8 أكتوبر، أُمر جميع السكان الإسرائيليين الذين يعيشون على بعد ثلاثة أميال من الحدود الشمالية بالإخلاء. ونتيجة لذلك، أصبح نحو 60 ألف إسرائيلي لاجئين، يقيم معظمهم في فنادق في جميع أنحاء البلاد. وكان من المفترض وقت صدور الأمر أنّ يكون مؤقتاً؛ ولم يتوقع أحد أن هؤلاء الأشخاص سيظلون نازحين بعد مرور أكثر من تسعة أشهر. ولكن بمجرد إخلاء هذه القرى والبلدات في شمال "إسرائيل"، حوّلها حزب الله إلى ميدان للرماية، ما جعل العديد منها غير صالحة للسكن فعلياً.

والشكوى الشائعة بين الإسرائيليين هي أنّ إخلاء الشمال أعطى حزب الله منطقة أمنية طولها ثلاثة أميال داخل "إسرائيل"، وبالتالي قلب الوضع الراهن على الحدود الذي ظل قائماً بشكل أو بآخر منذ حرب عام 2006.

إنّ الأمر الأكثر أهمية في أعقاب أحداث 7 أكتوبر، هو نتيجة النقاش المكثّف داخل الحكومة الإسرائيلية حول ما إذا كان يجب شنّ هجوم واسع النطاق على حزب الله.

وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر، ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن خطاباً مهماً وعد فيه بتقديم المساعدة الأميركية لـ "إسرائيل" ضد حزب الله وإيران، بما في ذلك إرسال حاملتي طائرات إلى المنطقة، كما حذر القيادة الإيرانية بكلمة واحدة: "لا تفعلوا". لكن نتنياهو كان يعلم أنّ كلمة "لا تفعل" التي قالها بايدن كانت موجهة إليه أيضاً. وكان غانتس وآيزنكوت يشعران بالقلق من أنّ الحرب المباشرة في لبنان ستكون أكثر من اللازم بالنسبة إلى "الجيش" الإسرائيلي بعد الفشل الذريع في غزة.

ومع تطوّر الحرب في غزة، ظل الوضع على طول الحدود الشمالية متقلباً. وعلى الرغم من أن كلا الجانبين مارسا درجة من ضبط النفس، فإن "إسرائيل" قررت التصعيد في مناسبات متعددة. وقام حزب الله بدوره تدريجياً بزيادة نطاق وكمية هجماته الصاروخية. والتأثير الأكبر على "إسرائيل" حتى الآن قد يتمثل في تهجير عشرات الآلاف من الإسرائيليين على المدى الطويل.

وعندما طلبت الحكومة الإسرائيلية من سكان البلدات القريبة من الحدود الشمالية إخلاء البلدات، كان ذلك في الأساس استجابة للمخاوف الأولية لتلك المجتمعات من أنهم قد يواجهون مصيراً مماثلاً لنظرائهم بالقرب من غزة. ومع ذلك، خلال الأشهر القليلة الماضية، كان هناك قلق أكبر بكثير بشأن استخدام حزب الله المتزايد للصواريخ المضادة للدبابات، التي يصل مداها إلى 6.5 ميل وهي دقيقة للغاية ويصعب اعتراضها، والتي تسببت في الكثير من الأضرار والعديد من الضحايا في الشمال منذ بدء المواجهات.

منذ أواخر عام 2023، يحاول آموس هوكستين، المبعوث الخاص للرئيس بايدن إلى المنطقة، التوسط في وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحزب الله. لكن حزب الله أوضح أنّه سيواصل القتال ما دامت الحرب الإسرائيلية في غزّة مستمرة.

وحتى لو وافق حزب الله على مطلب "إسرائيل" الرئيسي وانسحب من الحدود، فإنّ التاريخ يشير إلى أنّه من غير المرجح إلى حد كبير أن يظل مقاتلو حزب الله بعيدين إلى الأبد.

وبعد الفشل الاستخباري الإسرائيلي على طول محيط غزة، كيف يمكن طمأنة المجتمعات الشمالية في "إسرائيل" بأنّ "الجيش" الإسرائيلي لن يفوّت إشارات مماثلة على الحدود اللبنانية؟

ومع بدء العام الدراسي في الأول من أيلول/سبتمبر، بدأ صبر العديد من الإسرائيليين في الشمال ينفد. ويخشى رؤساء البلديات المحلية في الشمال أنه من دون اتخاذ إجراءات حكومية، ستختار العديد من العائلات مغادرة المنطقة إلى الأبد. وقد اكتسبت حكومة نتنياهو سمعة سيئة بسبب إهمالها الإسرائيليين الموجودين على الخطوط الأمامية للحرب.

الوضع غير المستدام على الحدود الشمالية ترك الحكومة الإسرائيلية في معضلة. وعلى الرغم من أنّ نتنياهو وغالانت قد هددا حزب الله ودولة لبنان بالتدمير المطلق إذا شنّ حزب الله حرباً شاملة، بيد أنه لا يبدو أن أياً منهما مدرك لمثل هذا السيناريو الآن.

ومن الجدير بالذكر أن حزب الله نفسه تأسس في أعقاب الغزو الإسرائيلي الأول للبنان عام 1982، فيما يعرف الآن بحرب لبنان الأولى. وبحلول عام 2000، كان حزب الله قادراً على طرد الإسرائيليين من المنطقة الأمنية التي أعلنها في جنوب لبنان، ما اضطر "الجيش" الإسرائيلي إلى الانسحاب الكامل بسبب القلق العام الإسرائيلي المتزايد بشأن الخسائر العسكرية. وبعد ذلك، انتهت الحرب التي اندلعت في يوليو/تموز 2006 بعد 34 يوماً، ويعتقد العديد من المحللين الإسرائيليين أن حزب الله قد أعدّ نفسه بشكل جيد للجولة المقبلة.

وفي الوقت نفسه، "الجيش" الإسرائيلي يواجه نقصاً حاداً في القنابل والقذائف الدقيقة في غزة، ما قد يضع قيوداً كبيرة على هجوم متزامن في لبنان. أمّا بالنسبة إلى القوات البرية، فإن التحدي في لبنان سيكون مختلفاً عن غزّة، فحزب الله أكثر تطوراً بكثير من حماس. كما أنّ أي قرار بالهجوم يجب أن يأخذ في الاعتبار القوة البشرية المتاحة المحدودة  لدى "إسرائيل" بعد تسعة أشهر من القتال في غزة.

ويتعين على "إسرائيل" أيضاً أن تأخذ في الاعتبار المخاطر التي تهدد جبهتها الداخلية بأكملها، بما في ذلك مدن مثل "تل أبيب" وحيفا، والتي من المرجح أن تتعرض لهجمات صاروخية مستمرة، بما في ذلك الصواريخ الموجهة الأكثر تطوراً التي لدى حزب الله.

ويرى بعض السياسيين والجنرالات الإسرائيليين أنّه  من خلال تكثيف الضغط العسكري على حزب الله لبضعة أيام سيجعله يتراجع وينسحب، خوفاً من حرب شاملة والدمار الذي قد تلحقه بلبنان. لكن هذه حالة خطيرة من التمني. في الواقع، بمجرد حدوث هذا النوع من التصعيد، سيكون من الصعب جداً على "إسرائيل" أن تملي على حزب الله متى يجب أن تتوقف الحرب. على سبيل المثال، إذا قرر نتنياهو ضرب أهداف في بيروت، فقد يقرر نصر الله الرد بالمثل بضرب "تل أبيب".

يستطيع حزب الله، بترسانته الضخمة، أن يرسل الإسرائيليين إلى الملاجئ لأسابيع متواصلة. وفي حالة حدوث نزاع مسلح كامل، فقد لا تكون مدته قصيرة. هناك احتمال أن يحاول حزب الله، شنّ حرب استنزاف، على أمل أن يؤدي ذلك تدريجياً إلى انهيار "إسرائيل". وفي أعقاب الحرب في أوكرانيا، كان العديد من الإسرائيليين يخشون أنهم قد يواجهون سيناريو مماثلاً: حرب لا نهاية لها، مصممة لاستنفاد قوة إرادة البلاد وقدراتها، إلى أن تستسلم للضغوط الخارجية.

أثناء الحرب بين "إسرائيل" وحماس، حرصت على زيارة الحدود الشمالية لـ "إسرائيل" كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، من أجل متابعة الأحداث على هذه الجبهة الثانية من الحرب، والتي قد تصبح الجبهة الأساسية. لقد كانت تجربة محبطة. لقد كانت ذات يوم أجمل مناطق "إسرائيل"، لكنها الآن تعاني من صراع عسكري متوسط ​​الحدة. وقد تم تدمير العديد من المنازل في القرى الواقعة على طول الحدود تدميراً كاملاً، ومعظمها بسبب صواريخ "كورنيت"  الصنع المضادة للدبابات والتي تسبب أضراراً كبيرة.

وفي إحدى زياراتي الأخيرة، ذهبت إلى مزارع شبعا. أخبرني قائد لواء في "الجيش" الإسرائيلي أنّه عندما يذهب جنود من بعض المواقع الاستيطانية في إجازة، فإنّ عليهم أن يغادروا سيراً على الأقدام، لأنه من الخطر للغاية السماح لمركبات كبيرة بدخول منطقة معرضة باستمرار لصواريخ حزب الله المضادة للدبابات.

لقد أظهرت الحرب الحالية في غزة مدى سهولة إطالة أمد هذا النوع من الصراع. وبالحكم على الحروب الماضية بين "إسرائيل" ولبنان، فمن غير المرجح أن تفضي هذه الحرب إلى نهاية مرضية.

نقلته إلى العربية: بتول دياب

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.