"فورين أفيرز": الأسس المتداعية للقوة الأميركية

إذا كان التعليم والابتكار أساسيين لقدرة الولايات المتحدة على إبراز القوة، فإنّ آفاق البلاد تقف على أرض هشة.

0:00
  • "فورين أفيرز": التعليم الأميركي في أزمة والصين تتفوق على الولايات المتحدة في الأوراق البحثية

مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً للكاتبة إيمي زيغارت، تحدثت فيه عن ضعف المعرفة وتراجعها في الولايات المتحدة الأميركية، وهي تعد من أسس القوّة الأميركية. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

على مدى قرون من الزمان، كانت قوة الأمة تنبع من موارد ملموسة تستطيع حكومتها رؤيتها وقياسها والسيطرة عليها بشكل عام، مثل السكان الذين يمكن تجنيدهم، والأراضي التي يمكن غزوها، والبحرية التي يمكن نشرها، والسلع التي يمكن إطلاقها أو تقييدها، مثل النفط.

كانت إسبانيا في القرن السادس عشر تمتلك جيوشاً ومستعمرات ومعادن ثمينة. وكانت المملكة المتحدة في القرن التاسع عشر تمتلك أقوى بحرية في العالم والفوائد الاقتصادية التي نشأت عن الثورة الصناعية. وكانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في القرن العشرين تمتلك ترسانات نووية هائلة.

اليوم، تستمد البلدان قوتها بشكل متزايد من الموارد غير الملموسة؛ المعرفة والتكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي التي تعمل على تعزيز النمو الاقتصادي والاكتشاف العلمي والإمكانات العسكرية. يصعب على الحكومات السيطرة على هذه الأصول، بسبب طبيعتها غير الملموسة وسهولة انتشارها عبر القطاعات والبلدان. ​​

على سبيل المثال، لا يستطيع المسؤولون الأميركيون الإصرار على أن يعيد الخصم خوارزمية ما إلى الولايات المتحدة بالطريقة التي طالبت بها إدارة جورج دبليو بوش بإعادة طائرة التجسس الأميركية التي تحطمت في جزيرة هاينان بعد اصطدام طيار صيني بها في عام 2001. ولا يمكنهم أيضاً مطالبة مهندس بيولوجي صيني بإعادة المعرفة المكتسبة من أبحاث ما بعد الدكتوراه في الولايات المتحدة. وهنا المعرفة هي السلاح المحمول الذي لا يرتجع. 

وحقيقة أنّ هذه الموارد تنشأ عادة في القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية تجعل مهمة الحكومة أكثر تحدياً. وكانت السياسة الخارجية دائماً لعبة ذات مستويين؛ يتعين على المسؤولين الأميركيين التعامل مع الجهات الفاعلة المحلية والخصوم الأجانب. وعلى نحو متزايد، أصبحت قرارات الشركات الخاصة تشكّل النتائج الجيوسياسية، ولا تتوافق مصالح القطاع الخاص الأميركي دائماً مع الأهداف الوطنية.

على سبيل المثال، التقى الرؤساء التفيذيون الأميركيون لشركة "ميتا"، الشركة الأم لمنصات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستغرام" و"واتساب"، التي يستخدمها 3 مليارات شخص في مختلف أنحاء العالم، الزعيم الصيني شي جين بينغ وجهاً لوجه بنفس عدد مرات لقاء وزير الخارجية أنتوني بلينكين، لأنّ لديهم مصالح تجارية صينية راسخة به.

وعندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، قرر قطب الأعمال الملياردير إيلون ماسك بمفرده كيف ومتى يمكن للجيش الأوكراني التواصل باستخدام شبكة أقمار "ستارلينك" التي يملكها.

في المقابل، تتدهور العديد من قدرات الحكومة الأميركية، وقد ذبلت أدواتها التقليدية في السياسة الخارجية. وبالتزامن، البنتاغون يعتمد بشكل متزايد على تدابير ميزانية مؤقتة تمول البرامج القائمة فقط، وليس البرامج الجديدة، مما يمنع مبادرات البحث والتطوير الجديدة أو برامج الأسلحة من الانطلاق. ويعرقل هذا النظام المكسور بشكل غير متناسب الشركات الجديدة والصغيرة والمبتكرة.

في عالم اليوم القائم على المعرفة والتكنولوجيا، يحتاج صناع السياسات في الولايات المتحدة إلى التفكير بطرق جديدة حول ماهية القوة الأميركية، وكيفية تطويرها، وكيفية نشرها. ولن يعتمد الرخاء والأمن في المستقبل على منع الخصوم من الحصول على التكنولوجيات الأميركية بقدر ما سيعتمدان على تعزيز القدرات التعليمية والبحثية للبلاد وتعبئة التكنولوجيات الناشئة لخدمة المصلحة الوطنية.

إنّ بناء واستخدام قوة المعرفة يتطلب من واشنطن أن تنظر إلى الداخل. إنّها تنطوي على حشد الأفكار والمواهب والتكنولوجيا لمساعدة الولايات المتحدة وشركائها على الازدهار بغض النظر عما تفعله الصين أو أي خصم آخر.

قد يكون من الصعب رؤية مكونات قوة المعرفة وقياسها. ولكن المكان الجيد للبدء هو مستويات الكفاءة التعليمية الوطنية. وإذا كان التعليم والابتكار أساسيين لقدرة الولايات المتحدة على إبراز القوة، فإنّ آفاق البلاد تقف على أرض هشة. إذ أنّ التعليم الأميركي من الروضة وحتى الصف الثاني عشر في أزمة. يسجّل الطلاب اليوم نتائج أسوأ في اختبارات الكفاءة مقارنة بما حصلوا عليه منذ عقود، ويتخلفون عن أقرانهم في الخارج. وتواجه الجامعات الأميركية صعوبات أيضاً، حيث تواجه منافسة عالمية أكبر على المواهب ونقص الاستثمار الفيدرالي المزمن في البحوث الأساسية التي تشكل أهمية بالغة للإبداع على المدى الطويل.

وبينما يتخلف الطلاب في الولايات المتحدة عن الركب، فإن الطلاب في بلدان أخرى يتقدمون للأمام. ولقد أصبح سكان العالم أكثر تعليماً إلى حد كبير في العقود القليلة الماضية، مما أدى إلى إعادة رسم خريطة قوة المعرفة في هذه العملية. منذ عام 1950، ارتفع متوسط ​​سنوات الدراسة بشكل كبير وزاد عدد خريجي الجامعات في جميع أنحاء العالم بمقدار 30 ضعفاً. ومع تكافؤ الفرص التعليمية، تعتمد الجامعات والشركات الأميركية بشكل متزايد على المواهب الأجنبية لتبقى على مستوى عالمي. في عام 1980، ذهب 78% من شهادات الدكتوراه في علوم الكمبيوتر والهندسة الكهربائية التي تمنحها الجامعات الأميركية إلى مواطنين أميركيين أو مقيمين دائمين، لكن في عام 2022 بلغت النسبة 32%. ويدرس الآن نحو مليون طالب دولي في الولايات المتحدة كل عام. وتأتي الحصة الأكبر من الصين بنسبة 27%.

نحو 40% من الأميركيين الذين حصلوا على جوائز نوبل في المجالات العلمية منذ عام 2000 كانوا من مواليد الخارج. ولكن هنا أيضاً تخسر البلاد ميزتها القصيرة الأمد وتخلق نقاط ضعف طويلة الأمد. لقد خلقت سياسات الهجرة التي عفا عليها الزمن نظاماً للمواهب يعمل على تخريب الذات، ويعمل على تعليم طلاب أجانب استثنائيين، ثم يطلب من العديد منهم مغادرة الولايات المتحدة، آخذين معهم كل ما تعلموه.

إنّ ميزة الابتكار التي تتمتع بها الجامعات الأميركية على نظيراتها الأجنبية تتآكل أيضاً. قبل عقد من الزمن، أنتجت الولايات المتحدة الأوراق العلمية الأكثر استشهاداً بها على الإطلاق في العالم. واليوم تفعل الصين ذلك. وفي عام 2022، ولأول مرة، تجاوزت مساهمات الصين مساهمات الولايات المتحدة في هذا الشأن.

وبدون تغييرات ملموسة لحل هذه المعضلات، ستستمر القدرة المعرفية للولايات المتحدة في التآكل وستزداد قوة الولايات المتحدة ضعفاً في السنوات المقبلة. والآن، أكثر من أي وقت مضى، يجب على واشنطن أن تفهم أن المعرفة هي قوة، وأنه يجب تنميتها في الداخل.

نقلته إلى العربية: بتول دياب